نقلا عن : الشيخ د. مسفر بن علي القحطاني
المراد بهذه المسألة
:-
عرف عصرنا لوناً من
رأس المال استحدثه التطور الصناعي والتجاري في العالم وذلك ما يعرف بالأسهم أو
السندات ، وهذه الأوراق المالية تقوم عليها المعاملات التجارية في أسواق خاصة بها
وهي التي تسمى ( بورصة الأوراق المالية ) . وهذه الأسهم حقوق ملكية جزئية لرأس مال
كبير للشركات المساهمة أو التوصية بالأسهم وكل سهم جزء من أجزاء متساوية لرأس
المال ([1]).
وقيل في المعنى
المراد بالأسهم أنها صكوك تمثل حصص في رأس مال شركة مساهمة . وهي قابلة للتداول
بالطرق التجارية وتمثل حقوق المساهمين في الشركات التي أسهموا في رأس مالها ([2]).
ولقد بحث فقهاؤنا
المعاصرون حكم زكاة أسهم الشركات المعاصرة وكيفية إخراج الواجب فيها ، وذلك أنها
من المسائل المستجدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد لأئمة المذاهب السابقين .
الحكم
الفقهي لهذه النازلة:-
نجد أن هناك اتجاهين
عند من بحث زكاة الأسهم من العلماء المعاصرين لأجل الوصول إلى حكمها وكيفية زكاتها
.
فالاتجاه الأول :
ينظر إلى هذه الأسهم
والسندات تبعاً لنوع الشركة التي أصدرتها : أهي صناعية أم تجارية أم مزيــج منهما
؟ فلا يعـطى السهم حكماً إلا بعد معرفة الشركة التي يمثل جزءاً من رأس مالها ،
وبناء عليه يحكم بتزكيته أو بعدمها ([3]).
والاتجاه الثاني :
ينظر إليها كلها نظرة
واحدة ويعطيها حكماً واحداًبغض النظر عن الشركة التي أصدرتها ، فيعتبرها عروض
تجارة تأخذ أحكامها في كل شيء ([4]).
ومجمع الفقه الإسلامي
المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي اطلع على كثير من البحوث الواردة إليه بخصوص
موضوع أسهم الشركات .
وقرر فيها الحكم
الشرعي والكيفية المناسبة والراجحة من أقوال أهل العلم في زكاة أسهم الشركات جاء
في قراره ما يلي :-
(( أولاً :
تجب زكاة الأسهم على
أصحابها ، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص نظامها الأساسي على ذلك ، أو
صدر به قرار من الجمعية العمومية ، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج
الزكاة ، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه .
ثانياً :
تخرج إدارة الشركة
زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله ، بمعنى أن تعتبر جميع أموال
المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع
المال الذي تجب فيه الزكاة ، ومن حيث النصاب ، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ ، وغير
ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي ، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من
الفقهاء في جميع الأموال .
ويطرح نصيب الأسهم
التي لا تجب فيها الزكاة ، ومنها أسهم الخزانة العامة وأسهم الوقف الخيري وأسهم
الجهات الخيرية ، وكذلك أسهم غير المسلمين .
ثالثاً :
إذا لم تزك الشركة
أموالها لأي سبب من الأسباب ، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم ، فإذا استطاع
المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة ، لو زكت الشركة أموالها
على النحو المشار إليه ، زكى أسهمه على هذا الاعتبار ، لأنه الأصل في كيفية زكاة
الأسهم .
وإن لم
يستطع المساهم معرفة ذلك :-
فإن كان ساهم في
الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي ، وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة
المستغلات ... فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم ، وإنما تجب الزكاة
في الريع ، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط
الزكاة وانتفاء الموانع .
وإن كان المساهم قد
اقتنى الأسهم بقصد التجارة ، زكاها زكاة عروض التجارة ، فإذا جاء حول زكاته وهي في
ملكه ، زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق ، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة
فيخرج ربع العشر ( 5ر2 % ) من تلك القيمة ومن الربح ، إذا كان للأسهم ربح .
رابعاً :
إذا باع المساهم
أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته . أما
المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق ))([5]).
ـ تقرير
الاستدلال على حكم هذه النازلة :-
إن إيجاب الفقهاء
الزكاة في أسهم الشركات مبني على كونها حصصاً مالية تنتج جزءاً من أرباح الشركة
تزيد وتنقص تبعاً لنجاح الشركة وزيادة ربحها أو نقصه .
والأسهم من حيث
التعامل والتداول بين الأفراد كسائر السلع مما يجعل بعض الناس يتخذ منها وسيلة
للاتجار بالبيع والشراء ابتغاء الربح من ورائها . وهذا التعامل مشروع لأنه مبني
على أسس سليمة من شروط البيع وأحكامه ، فمما يؤثر في جواز التبادل التجاري في
الأسهم ؛ ما ورد أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما توفى كان ذا مال فراضي
ورثته إحدى زوجاته على أن تأخذ مقابل سهمها في الميراث مبلغ ثمانين ألف دينار
وكانت التركة تشمل نقوداً وعقاراً وحيواناً وكان هذا الإجراء بعد أن استشار
الخليفة عثمان رضي الله عنه الصحابة ([6]) فكان ذلك إجماعاً ولم تكن الدقة في
معرفة التركة وتعدد أنواعها وكونها غير مصفاة مانعاً من ذلك . وهذا هو عين بيع
الأسهم في الشركات سواء سميناه بيعاً أو صلحاً أو معارضة .
أما عن إخراج إدارة
الشركة زكاة الأسهم باعتبار أن جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد فهذا
تكييفه مبني على قول الجمهور غير الأحناف في جواز الخلطة في الأموال وأن لها
تأثيراً في الزكاة على خلاف بينهم في بعض الشروط التي لا بد من توافرها ليتحقق ذلك
التأثير ([7]).
أما إذا لم تخرج
الشركة الزكاة فإن الوجوب لا يسقط عن المساهم وكيفية إخراج الزكاة مبني على قصده
من المساهمة فإن كان قصده الاستفادة من ريع الأسهم السنوي فإنه يزكيها قياساً على
زكاة المستغلات كما هو الحال في زكاة العقارات والأراضي المأجورة .
وإن كان قصده من
المساهمة التجارة فإنه يزكي قياساً على زكاة عروض التجارة كما هو مبين في قرار
المجمع السابق الذكر .
-------------------
([1]) فقه الزكاة
للقرضاوي 1 / 521.
([2]) انظر : مجلة مجمع
الفقه الإسلامي العدد الرابع 1 / 712 و 730 .
([3]) ويمثل هذا الاتجاه
: الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه ( المعاملات الحديثة وأحكامها ) ص 73 و 74 نقلاً
من فقه الزكاة 1 / 524 ، وكذلك الشيخ عبد الله البسام في بحثه المنشور في مجلة
مجمع الفقه الإسلامي العدد الرابع 1 / 721 ، وكذلك الشيخ عبد الله بن منيع في
كتابه (بحوث في الاقتصاد الإسلامي) ص 91 .
([4]) ويمثل هذا الاتجاه
: أبو زهرة وعبد الرحمن حسن وخلاف والقرضاوي وغيرهم انظر : فقه الزكاة 1 / 527 .
([5]) مجموع قرارات
وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة قرار رقم ( 28 ) ص 63 و 64 .
([6]) أخرجه الحاكم في
المستدرك بنحوه 3 / 415 .
([7]) انظر : بدائع
الصنائع 2 / 30 ؛ بداية المجتهد 2 / 96 و 97 ؛ مغني المحتاج 2 / 74 ؛ المغني 4 /
54 و 55 ؛ المجموع 5 / 407 .